التداول الداخلي أو ما يعرف بالتداول بناء على معلومات داخلية Insider Trading هو نوع من التداول غير القانوني الذي يتم عبر استغلال أحد التنفيذيين الكبار أو مالكي الشركات أو الموظفين في شركة ما للمعلومات غير العامة التي لا يعلمها إلا العاملون في الشركة واستعمال تلك المعلومات لشراء أو بيع الأسهم بما يحقق مصلحة شخصية.
من أمثلة هذا التداول غير القانوني أن يعرف موظف في شركة معينة أن شركته سوف تحقق اندماجاً مع شركة أخرى في فترة قريبة مما سيؤدي لزيادة سعر السهم، ومن ثم يستغل هذه المعلومة التي لا يستطيع العامة الاطلاع عليها لشراء أسهم في الشركة وتحقيق ربح من خلالها.
كذلك فإن تسريب المعلومات الداخلية التي لا يعلمها جميع المستثمرين للأقارب أو الأصدقاء أو أي مستفيدين آخرين ليشتروا أو يبيعوا الأسهم بناء عليها يعتبر من أوجه التداول الداخلي غير المسموح به في القانون.
من جانب آخر فإنه لا يحق كذلك للأشخاص الذين لا يعملون في شركة ما أو لا يملكون صلات بها أن يحصلوا على معلومات من داخل الشركة ليشتروا أو يبيعوا الأسهم بناء عليها.
كل الحالات السابقة تعتبرها الهيئة الأمريكية للأوراق المالية (SEC) مخالفات قانونية يتم محاسبة كل من يتورط بها من موظفين وتنفيذيين ومن ينقلون تلك المعلومات، لكن من جهة أخرى فإن هناك نوعاً من التداول الداخلي تعتبره الهيئة قانونياً وتسمح به.
هيئة الأوراق المالية تعرف التداول الداخلي القانوني بأنه قيام التنفيذيين والموظفين المطلعين في الشركات بشراء أو بيع الأسهم التي تطرحها شركتهم، ولكن هذه العمليات يجب أن تعلم بها الهيئة التي بدورها تبرز تلك المعلومات لعامة المستثمرين.
رغم أن هذا النوع من التداول يعتبر قانونياً ويتم عرضه للعامة لكن لا يمكن للتنفيذيين وموظفي الشركات القيام به إلا في فترات زمنية معينة عندما لا يكون هناك معلومات ملموسة غير مكشوفة للعامة قد تؤثر في عملية البيع أو الشراء.
لكل تلك الأسباب فإن هيئة الأوراق المالية تفرض رقابة صارمة على أي نوع من التداول الداخلي، لكون هذه العمليات تضر بالعمل في السوق ككل، وتفسد مبادئ التداول العادل والمتساوي التي تفرضها هيئة الأوراق المالية SEC.
كيف يتم منع التداول الداخلي؟
التداول الداخلي لما له من مخاطر على نزاهة العمل في السوق يتم منعه بشكل صارم، وهذا المنع يتم عن طريق إجراءات يقوم بها طرفا العملية، الشركات التي قد تسرب المعلومات الداخلية وكذلك الجهات المنظمة للسوق التي يفترض أن تعرف عن تلك المعلومات.
فلنبدأ بالجهات الناظمة للعمل في السوق، فهيئة الأوراق المالية SEC تقوم دائماً بمراقبة العمل في السوق خصوصاً في الفترات التي قد تشهد صعود أسهم شركة ما مثل إعلان الأرباح وصفقات الاستحواذ وغيرها، ونظام المراقبة يستطيع اكتشاف أي صفقة كبيرة غير نظامية في تلك الأحداث، وبناء على التحقيق يتم معرفة مدى قانونية مثل تلك العمليات.
كذلك فإن الشكاوى التي يقدمها المتداولون عند تعرضهم لخسارات كبيرة تساعد الجهات المنظمة للسوق على كشف التلاعبات التي تتم عن طريق التداول الداخلي، وغالباً ما يعمد مالكو المعلومات الداخلية إلى عقود الخيارات للاستفادة من الارتفاع أو الهبوط في السعر الذي يعلمون به سلفاً بفضل المعلومات الداخلية التي يملكونها، واستقبال شكاوى عن أرباح هائلة لمتداول ما تعطي الجهات المنظمة إنذاراً لبدء تحقيق حول تلك الصفقات.
الأسلوب الثالث لكشف ومنع التداول الداخلي بالنسبة للجهات المنظمة هي التسريبات التي تردها من داخل الشركة، ويعرف الأشخاص الذين يقدمون تلك المعلومات باسم WhistleBlowers.
حيث يقوم هؤلاء بتقديم معلوماتهم للجهات المسؤولة عن إمكانية وجود عملية تداول داخلي في شركة ما، حيث يحصلون على نسبة 10% إلى 30% من الضرائب التي يتم جبايتها في حال ثبتت العملية وتم كشفها وضبطها.
من ناحيتها فإن الشركات تتخذ العديد من الإجراءات لمنع التداول الداخلي قبل أن تتطور الأمور وتصل للجهات المنظمة التي قد تتخذ عقوبات بحق الشركة، وأهم هذه الأساليب هو قيام الشركات بتطبيق فترات منع يتم فيها منع المدراء والتنفيذيين وغيرهم في الشركة من شراء أو بيع الأسهم، وغالباً ما تكون تلك الفترة قبل إعلانات الأرباح.
كذلك تفرض الشركات على موظفيها والتنفيذيين فيها مشاركة كل المعلومات حول شرائهم أو بيعهم لأسهم الشركة مع مدير الشؤون القانونية فيها، وذلك لتلافي أي مخالفات قانونية قد تعرض الشخص والشركة لمشاكل.
كثيراً ما تقوم الشركات بتقديم محاضرات وبرامج تعليمية لموظفيها لتمكنهم من معرفة الأساليب التي تساعدهم على عدم التورط في أي صفقة تداول داخلي، ومعرفة المعلومات غير العامة التي لا يحق لهم مشاركتها مع الآخرين كي لا يتم استخدامها في التداول الداخلي.
سلبيات التداول الداخلي
التداول الداخلي باعتباره قائماً على معلومات داخلية غير عامه فإنه يمنح قلة من المستثمرين الذين يملكون تلك المعلومات الحصول على كل الأرباح وتفادي الخسائر، ويقضي على عامل المخاطرة الذي يعتبر أساسياً في التداول النزيه في الأسواق، فيما سيمنى باقي المستثمرون الذين لا يملكون تلك المعلومات بالخسائر كلها.
لكن ذلك بدوره سيدفع بالمستثمرين الذين لا يملكون معلومات داخلية إلى الانسحاب من السوق وعدم المشاركة في أي عمليات بيع وشراء يشترك فيها الأشخاص مالكو المعلومات، وهذا يعني أن التداول الداخلي في مرحلة ما يقوم بتعطيل العمل في السوق وإقصاء نفسه كذلك.
من ناحية أخرى فإن التداول الداخلي يمنع المستثمرين الذين لا يملكون المعلومات الداخلية غير العامة من الحصول على سعر واقعي للأسهم التي يملكونها في الشركة التي شهدت تداولاً داخلياً.
لنفترض مثلاً أنه شركة تكنولوجيا ما كانت على وشك إعلان استحواذ كبير على شركة أخرى، وأن هذه الاستحواذ سوف يؤدي لارتفاع سهمها بشكل كبير، في هذه الحالة فإن المستثمر الذي يمتلك معلومات عن ذلك الاستحواذ قبل إعلانه للعامة سوف يشتري الأسهم بناء على معلوماته ويحقق مكسباً كبيراً، في حين أن المستثمر الذي لا يملك تلك المعلومات قد يبيع أسهمه ويخسر ربحاً كان سيناله لو احتفظ بأسهمه في حال امتلك تلك المعلومات.
النقاش حول التداول الداخلي موجود حتى اليوم في الأوساط المالية، ورغم وجود العديد من الأصوات التي تعتبر أنه له تأثيراً إيجابياً بجعل السوق أكثر فعالية عبر استخدام المعلومات العامة وغير العامة كذلك إلا أن الغالبية تقف ضد هذا النوع من التداول وتعتبر أنه يخالف مبادئ التداول النزيه في السوق.