منذ أيام أعلنت سنغافورة حجز تسع ناقلات عسكرية تابعة لها في هونج كونج، حيث اعتبرت السلطات في هونج كونج أن الحجز تم بسبب مشاركة تلك الناقلات في تدريبات عسكرية داخل تايوان التي تملك علاقة متوترة مع الصين منذ فترة طويلة.
وأثارت الحادثة العديد من ردود الفعل في سنغافورة حيث تضاربت وجهات النظر إذ أكد بعض المسؤولين ضرورة تقديم الاعتذار للصين عن المشاركة في التدريبات التايوانية، فيما اعتبر البعض أن على سنغافورة الإصرار على استعادة الناقلات العسكرية من هونج كونج.
واعتبر وزير الخارجية السنغافوري فيفيان بالاكريشنان أثناء حديثه عن الموضوع أن الحادثة ليست سوى حادثة عرضية ضمن المد والجزر الذي تعيشه العلاقة السنغافورية الصينية حالياً وأكد أنها ستحل قريباً.
لكن الحادثة في حقيقتها هي مجرد ترجمة للتوتر الذي تشهده العلاقات الصينية السنغافورية مؤخراً، بعد عدة دعوات من مسؤولين صينيين للالتزام من قبل سنغافورة بسياسة “الصين الواحدة” واستيائهم من علاقتها بتايوان، فيما يبدو أن العديد من المسؤولين السنغافوريين منزعجون مما اعتبروه تسلطاً صينياً.
فقرار توقيف الناقلات السنغافورية لم يكن صدفة حيث أكدت وكالة الأنباء FactWire أن مصادر في الصين هي التي أعلمت الصحافة بعملية التوقيف وأن الأوامر جاءت من الصين بتوقيف الناقلات في هونج كونج رغم أنها تنقل عن طريق شركة APL الأمريكية للنقل وهو ما يعني بوضوح أن الصينيين يريدون إيصال رسالة إلى سنغافورة وكذلك تايوان من خلال هذا الإجراء.
ما الذي تريده الصين، وكيف ستتصرف سنغافورة؟
كل من سنغافورة وهونج كونج وتايوان أو ما تعرف باسم “النمور الآسيوية” تملك علاقة مختلفة مع الصين، فهونج كونج تابعة للصين غير أنها تملك نظامها الاقتصادي الخاص، أما تايوان (الصين تايبيه) فهي مستقلة عن الصين الأم ولطالما وقفت بوجه سياسة الصين الواحدة، في حين أن سنغافورة تملك علاقة جيدة ووسطية بين الصين وتايوان وهي من داعمي سياسة الصين الواحدة إضافة لاستراتيجية “الطريق الواحد” التي أطلقها الرئيس الصيني.
وستستغل الصين حادثة توقيف الناقلات السنغافورية لتوضيح مدى انزعاجها من العلاقة السنغافورية التايوانية، وكذلك قيام سنغافورة بدعم قرار دولي يرفض سيطرة الصين على بعض المناطق في بحر الصين الجنوبي.
لا يبدو على الغالب أن سنغافورة ستنصاع للضغوط الصينية وهي ستلجأ للقانون الدولي لاستعادة ناقلاتها في حال لم يتم حل الأزمة دبلوماسياً وبسرعة، كما أن العديد من السنغافوريين سيقفون مع بلادهم ضد ما يبدو وكأنه توريط لسنغافورة في قضايا الخلاف الصيني التايواني.
ستواجه سنغافورة بالتأكيد عواقب كبيرة في حال انحيازها للصين أو تايوان في قضية المناطق التي سيطرت عليها الصين في بحر الصين الجنوبي، في لا تستطيع توتير علاقتها مع الصين حيث أن العلاقة الاقتصادية بينهما عميقة ومهمة للبلدين حيث تعتبر سنغافورة واحد من أكبر المستثمرين الأجانب في الصين.
كما أن تايوان لها أهمية كبرى بالنسبة للدولة السنغافورية حيث أن علاقتهما تعود السنوات الأولى بعد الاستقلال، ومنطقة الآسيان كما تعرف تايوان وجيرانها تعد ذات أهمية حيوية لسنغافورة والوقوف إلى جانب الصين يعني خسارة تلك المنطقة وبالتالي خسارة سياسية واقتصادية كبيرة.
وأجبرت مساحة سنغافورة الصغيرة والتي لا تتجاوز 719 كيلومتر على الاعتماد على دول أخرى لإجراء التدريبات العسكرية حيث تدرب جيشها لأكثر من 30 عاماً على أراضي تايوان ضمن ما يعرف بعملية Starlight كما أجرت تدريبات في أستراليا والولايات المتحدة التي تعتبر من أقوى حلفاء سنغافورة.
وستكون السياسة السنغافورية في الفترة القادمة حذرة بالتأكيد بالنسبة لكل من الصين وتايوان، وستنتظر انتهاء الصين من توصيل رسائلها عبر عملية حجز الناقلات، كما أنها ستعتمد بشكل كبير على السياسة الجديدة للحليف أمريكا في ظل إدارة الرئيس الجديد دونالد ترامب.
ولا تستطيع سنغافورة بالتأكيد تحمل تبعات الانحياز لقوة عالمية على حساب أخرى وبالتالي هي مضطرة للإبقاء على علاقة متوازنة بين الصين من جهة وتايوان والحليف الأمريكي من جهة أخرى.
الصين وأميركا، رؤية سنغافورية
وقال وزير الدفاع السنغافوري إنج هين في حديثه أثناء مؤتمر ريغان للدفاع الذي أقيم في ولاية كاليفورنيا الأمريكية أن الحضور الأمريكي في منطقة آسيا لا يجب أن يكون غرضه احتواء الصعود الصيني، مضيفاً أنه ليس من الضروري أو الممكن احتواء دولة كبرى مثل الصين والتي تحقق إنجازات وتغيرات اقتصادية عملاقة.
المؤتمر الذي حضره وزير الدفاع الأمريكي أشتون كارتر والعدد من أعضاء الكونغرس، اعتبر فيه هين أن الصين اليوم هي قوة عالمية كبرى وقائد أساسي في مجال التجارة والأموال العالمي، وأنها تحتاج العالم كما يحتاجها بالمقابل، وهذه الحاجة المتبادلة سوف تنمو في السنوات القادمة وليس العكس.
وأضاف هين أن صعود الصين والهند ومنطقة الآسيان هو مخرج إيجابي للسياسة الخارجية والدفاعية الأمريكية في آسيا في العقود السبعة الماضية، وأن هذا النجاح يضع تحديات جديدة أما تقدم السياسة الخارجية الأمريكية.
ازدياد قوة الصين ليس مقلقاً بحسب الوزير السنغافوري الذي اعتبر أن وجود “صين قوية” يخلق فرصاً كثيرة للولايات المتحدة وباقي الدول ومنها سنغافورة ويوجه النظر إلى العديد من المناطق في آسيا التي توجد فيها فرص وقابلية كبيرة للتطوير والعمل.
وعند سؤاله عن العمل المحتمل بين تايوان والإدارة الأمريكية الجديدة خصوصاً بعد المكالمة الهاتفية بين الرئيس المنتخب دونالد ترامب والرئيسة التايوانية التي احتجت عليها الصين، قال الوزير السنغافوري أن فريق الرئيس ترامب أكد بعد المكالمة أنه مع سياسة الصين الواحدة وأن سنغافورة كذلك بل هي من مؤسسي تلك السياسة، مشيراً إلى استضافتها محادثات بين الصين وتايوان في 1993 وقمة بين رئيسيهما في 1992.
واختتم هين حديثه بالقول إنه لا يعتقد أن أمريكا ستخفف وجودها في منطقة آسيا في الفترة القادمة، بغض النظر عن الإدارة التي ستسلم زمام الأمور في البلاد.