مع دخول المظاهرات في السودان اسبوعها السادس، تقدمت السعودية بدعم اقتصادي للدولة الأفريقية المتعثرة، والتي فقدت ثلاثة أرباع ثروتها النفطية عندما انفصل الجنوب عام 2011، ما أغرق البلاد في أسوأ أزمة اقتصادية منذ عقود.
والوضع الحالي الذي يمر به اقتصاد السودان، دفع العاهل السعودي سلمان عبد العزيز للتأكيد أن المملكة لن تتردد في دعم الدولة الأفريقية، فيما بين وزير التجارة والاستثمار السعودي ماجد القصبي أن بلاده قدمت 8 مليارات ريال (2.1 مليار دولار) خلال السنوات الأربع الماضية.
وتأتي زيارة القصبي للخرطوم بعد يوم من إعلان قطر استمرار مشاريعها المشتركة مع السودان ودعمها لحكومة الرئيس عمر البشير، فضلاً عن مساعدات اقتصادية تلقاها السودان من روسيا وتركيا.
كما قدمت الإمارات للسودان تمويلا بقيمة 300 مليون دولار سيغطي احتياجات السودان خلال الموسم الزراعي فضلاً عن وصول 26 سفينة شحن من الإمارات محملة بنحو 1.12 مليون طن من الوقود، وهو ما يكفي من العرض لمدة ثلاثة أشهر.
وفي الوقت الذي لم يتم فيه تحديد ما إذا كان هذا الاتفاق قروضاً أو منحاً، أفاد رئيس لجنة النفط والغاز في البرلمان السوداني، إسحاق بشير أن السودان سوف يسدد المساعدات.
ما أسباب انطلاق المظاهرات في السودان وما تبعاتها؟
نظم الطلاب والناشطون والمتظاهرون الآخرون مظاهرات شبه يومية في جميع أنحاء السودان منذ 19 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، داعين إلى وضع حد للمصاعب التي يعاني منها اقتصاد السودان لتتحول مطالبهم لاحقاً إلى الإطاحة بالرئيس عمر البشير، ووضع حد لسلطته التي تمتد على مدى ثلاثة عقود منذ انقلاب عام 1989.
واندلعت الاحتجاجات إثر ارتفاع تكاليف المعيشة ونقص السلع والوقود وتراجع قيمة العملة المحلية وزيادة سعر الخبز بمعدل ثلاثة أضعاف في إطار الإجراءات الحكومية لاحتواء التضخم الذي قفز إلى 72.9% في ديسمبر الماضي، حسبما ذكر مكتب الإحصاءات.
وسرعان ما بدأت المظاهرات في السودان تنادي للإطاحة بالرئيس عمر البشير، وردد المتظاهرون شعارات مستعارة من حركات “الربيع العربي” في مصر المجاورة وليبيا القريبة، وتم مواجهتهم بالقوة ما أسفر عن 30 قتيل وفقاً لمسؤولين حكوميين، فيما تقول جماعات حقوق الانسان بما فيها هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية أن 40 شخصاً على الاقل لقوا حتفهم.
كما حجبت الحكومة السودانية إمكانية الوصول إلى مواقع التواصل الاجتماعي في جميع أنحاء البلاد في محاولة لاحتواء الاحتجاجات، لكن الاستخدام الواسع النطاق للشبكات الخاصة الافتراضية، أو الشبكات الافتراضية الخاصة VPN، قد سمح للمتظاهرين ببث الصور ومقاطع الفيديو التي توثق الأحداث.
وتأتي المظاهرات في السودان في الوقت الذي خففت فيه أوروبا والولايات المتحدة العقوبات مقابل وعود البشير بتقديم مساعدات إنسانية في جنوب السودان وحل مشكلة الهجرة نحو أوروبا.
والحصار الأمريكي على البلاد الذي استمر إلى عشرين عاماً، وانفصال جنوب السودان عام 2011 وخروج نفطه من موازنة الدولة، أدى لتراكم مشكلات اقتصادية كبيرة، ورغم توافر الموارد الزراعية والحيوانية والمعدنية، إلا أن السودان ظل يعاني من تدهور بعض المشاريع الزراعية وتوقف العديد من المصانع، ما أدى لانفلات السوق وجنون أسعار العملات الأجنبية وأزمة سيولة كبيرة.
عمر البشير ومساعي الخروج من الأزمة
يسعى عمر البشير للحصول على دعم دول الجوار والمنطقة من أجل لتحسين الواقع الاقتصادي واحتواء المظاهرات في السودان، وخصوصاً دول الخليج، إذ ساهم البشير بأكثر من 10 آلاف من رجال الميليشيا للقتال على الخطوط الأمامية لحرب السعودية في اليمن في مقابل الحصول على مساعدات مالية.
ومن جهة أخرى، زار الرئيس عمر البشير مصر والتقى الرئيس عبد الفتاح السيسي وتم الاتفاق بينهما على مشاريع لدعم السودان في الأزمة الراهنة.
وخلال 2010، وجهت المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي اتهامات للبشير حول أعمال الإبادة الجماعية في دارفور خلال تمرد بدأ عام 2003.
وشكل انفصال الجنوب عام 2011 والعزلة والعقوبات التي تم فرضها على البلاد منعطفات مؤثرة على المسار السياسي للرئيس عمر بشير لتمثل المظاهرات في السودان وسوء الوضع الاقتصادي تحدياً جديداً.
وأقر البشير بالمشاكل التي يعانيها اقتصاد السودان مبيناً أنها ليست بالحجم الذي تصوره وسائل الإعلام التي تلجاً إلى المبالغة لاستنساخ ربيع عربي في السودان، على حد قوله.
أبرز المشاكل التي يواجهها اقتصاد السودان
كان اعتماد السودان على النفط يمثل 90% أي ما يعادل نصف إيرادات الدولة الأفريقية من النقد الأجنبي، ومع انفصال الجنوب عن الدولة استحوذ على نحو 75% من لإنتاج النفطي الذي سجل في إحدى الأعوام 500 ألف برميل يومياً.
وسجل إنتاج جنوب السودان قبل اندلاع الحرب حوالي 340 ألف برميل يومياً، لكنه تراجع بنحو 60% إلى ما دون 150 ألف برميل.
وخلال العام المضي، استعاد جنوب السودان إنتاجه النفطي بالكامل، وتعد رسوم عبور النفط الأراضي السودانية (25 دولاراً عن كل برميل) مصدراً هاماً لدعم الخزانة العامة بالنقد الأجنبي.
ويعتبر الخام مورد أساسي ومنفذ لكلا البلدين في ظل انخفاض قيمة العملة المحلية “الجنيه السوداني” وارتفاع معدل التضخم.
وسجلت العملة الأمريكية ارتفاعاً قياسياً أمام الجنيه السوداني في السوق السوداء تجاوز 60 جنيهاً مقابل الدولار الواحد، ما أدى إلى حدوث أزمات في الخبز والطحين والوقود وغاز الطهي.
وشهد عام 2018 زيادة في معدل التضخم بنسبة 69% خلال نوفمبر (تشرين الثاني)، فيما تستهدف موازنة العام الحالي نسبة تضخم 27%.
ووصل إجمالي الإيرادات المتوقعة في موازنة العام المالي الحالي 162.8 مليار جنيها (3.4 مليارات دولار)، والمصروفات 194.760 مليار جنيه (4.1 مليارات دولار)، وذلك استناداً لسعر الصرف (الدولار بـ47.5 جنيها).
فيما قدرت الموازنة الجديدة العجز بنسبة 3.3% من الناتج المحلي الإجمالي، مقابل 3.7% للعام الماضي 2018، ومن المرجح نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 5.1%.
ومن جهة أخرى، تبقى الديون مشكلة يعاني منها اقتصاد السودان، إذ تخطت ديون البلاد خمسين مليار دولار (أصل الدين 17 مليارا والباقي فوائد)، إلى جانب انعدام عامل الاستقرار الأمني والسياسي.
وانعكس الخلل في إدارة اقتصاد السودان سلباً على موازنة البلاد في عام 2018، إذ أدى الانفصال إلى تحديات عدة أهمها تذبذب سعر صرف العملات الصعبة وارتفاع معدل التضخم.
ختاماً وصل الاقتصاد إلى مفترق طرق أدى لخروج المظاهرات في السودان مع تراجع الصادرات ونقص الاستثمارات الأجنبية وشح العملات الصعبة وتراجع حصة السودان من البترول، فضلاً عن عدم الاستقرار الأمني والسياسي الذي تشهده البلاد ودول الجوار والمنطقة التي يستهدف الرئيس عمر البشير مساعداتها ودعمها للخروج من الأزمة.