تاريخ 5 يونيو شهد بداية الأزمة القطرية مع الدول الخليجية والتي تعتبر أسوء أزمة في تاريخ مجلس التعاون الخليجي منذ تأسيسه، حيث أعلنت الدول الخليجية الأربعة وهي السعودية والإمارات والبحرين واليمن قطع علاقاتها السياسية والاقتصادية وكل أشكال الاستثمار والتجارة مع دولة قطر بعد ادعاءات وجهتها ضدها بدعم الإرهاب والتحالف مع إيران.
الأيام الماضية شهدت تصعيداً كبيراً في الأزمة القطرية حيث سلمت الدول الخليجية قائمة رسمية من 13 مطلباً إلى دولة قطر لإنهاء الحصار والمقاطعة المطبقة عليها، وأبرز المطالب التي تضمنتها القائمة كانت تتعلق بإنهاء أي شكل من أشكال العلاقات أو الاستثمار مع إيران، وإيقاف إنشاء القاعدة العسكرية التركية التي يجري بناؤها حالياً في قطر، وكذلك إغلاق الشبكة التلفزيونية المعروفة وهي شبكة الجزيرة.
الرد القطري على المطالب
جاء على لسان الشيخ سيف بن أحمد آل ثاني رئيس مكتب الاتصال الحكومي في قطر، والذي اعتبر أن لائحة مطالب الدول الخليجية تؤكد ما قالته قطر سابقاً حول أهداف المقاطعة والتي لا تتعلق بدعم الإرهاب بل بمحاولة التأثير على السياسية الخارجية واستقلال القرار في قطر، الوزير القطري أضاف أن رداً رسمياً سيسلم إلى دولة الكويت التي تقوم بدور الوساطة في الأزمة القطرية.
أبرز ردود الفعل في المنطقة على لائحة المطالب الخليجية جاءت على لسان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي دعا عبر وكالة الأناضول الرسمية للأنباء الحكومة القطرية إلى عدم الاستجابة لمطالب الدول الخليجية، لأنها “تخالف القانون الدولي” بحسب تعبيره.
فيما كانت ردود الفعل الأوروبية والأمريكية شبه غائبة باستثناء دعوة وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون للدول الخليجية وقطر إلى اللجوء إلى الحوار لحل الأزمة القطرية بعد حوالي شهر من بدايتها.
كيف يبدو الوضع في قطر الآن؟
قطر التي تملك أعلى معدل ناتج محلي إجمالي للفرد في العالم، وتملك حجماً ضخماً من الاستثمار في الدول الخليجية والعالمية، تعلم تماماً مدى التأثير الاقتصادي الذي يمكن أن تعانيه جراء المقاطعة الاقتصادية خصوصاً فيما يتعلق بالمورد الاقتصادي الأساسي لقطر وهو الغاز الطبيعي.
الغاز الذي يشكل مورد التصدير والاستثمار الأكبر في قطر يمر بمعظمه عبر البحر، ورغم أن قطر تستطيع استخدام المياه الدولية للتصدير بقرب سواحل عمان وإيران، إلا أن عليها البحث عن بديل لميناء الفجيرة في الإمارات والذي يعتبر أكبر ميناء لتصدير والاستثمار في النفط والغاز في العالم.
البدائل الأبرز لدى قطر ستكون عبر موانئ جبل طارق وسنغافورة وغيرها من الموانئ التي لا تتعلق بالدول المقاطعة لقطر، وقناة السويس التي مازالت مفتوحة للسفن القطرية حتى الآن يمكن أن تسهم بشكل كبير في تخفيف أضرار الأزمة القطرية على مورد الاستثمار الاقتصادي الأهم.
لكن على الجانب الآخر فإن الإمارة القطرية يمكنها أن تسبب مشاكل جمة للإمارات في مجال التغذية الكهربائية في حال قررت إغلاق خط الغاز الذي يمر بالإمارات والذي ينقل يومياً حوالي 3.2 مليون قدم مكعب من الغاز.
قضية هامة أخرى بالنسبة لقطر هي قضية الواردات الغذائية التي تعتمد عليها الإمارة بشكل كبير، حيث أن 40% من وارداتها الغذائية تأتي من الحدود السعودية ومن ميناء جبل علي قرب دبي، وهو ما دفعها إلى البحث عن موارد بديلة كان أبرزها تركيا التي أبدت استعداداً لمضاعفة حجم صادراتها الغذائية وحجم الاستثمار في الصناعات الغذائية إلى قطر وهو ما بدء بالفعل في الأيام الماضية.
أيضاً لا يمكن تجاهل الوضع الصعب الذي يعيشه قطاع الطيران في قطر، والذي تمثله شركة Qatar Airways خصوصاً أنها شركة عالمية ومهتمة دائماً في الاستثمار في الدول الأجنبية، والأوضاع الحالية في الأزمة القطرية تمنع طائرات الشركة من التحليق في أجواء الدول الخليجية المقاطعة ومصر التي شاركت في المقاطعة.
هذه العوامل ستجعل رحلات الشركة أطول وأكبر تكاليفاً وهو ما يؤثر بشكل كبير على أكبر ميزاتها التي جعلتها من أنجح شركات الطيران في الشرق الأوسط، ويفسح فرصة كبيرة للشركات المنافسة مثل طيران الإمارات Fly Emirates والطيران التركي Turkish Airlines.
حلف جديد قادم
تعقيباً على إمكانية رفض قطر رسمياً للمطالب الخليجية قال وزير الخارجية الإماراتي أنور قرقاش أن عدم قبول قطر للمطالب يعني أنه “الفراق” بحسب تعبيره ضرورة لا بد منها، مشيراً بذلك إلى إخراج قطر من عضويتها في مجلس التعاون الخليجي.
قطر التي لا يبدو بأنها ستقوم بأي تغييرات لسياستها الخارجية في المرحلة المقبلة لديها أولوية البحث عن شريك اقتصادي وسياسي كبير في المنطقة قادر على العمل والاستثمار داخل قطر والذي تبدو تركيا المرشح المثالي لذلك الدور، خصوصاً مع الآثار الكبيرة التي يمكن أن تزيد الأزمة القطرية في حال التحالف مع إيران.
المرحلة القادمة ستشهد بالتأكيد صعود حلف قطري تركي سياسي اقتصادي يتمثل في دعم تركيا للسياسية الخارجية والتوجهات القطرية في العديد من قضايا المنطقة، وتعزيز الاستثمار والتبادل التجاري بين البلدين، حلف سيقوم على القوة السياسية الكبيرة لتركيا والقوة الاقتصادية الكبيرة لقطر.