اتخاذ قرار بالسفر عبر سفينة تحمل تاريخاً لا ينسى من الموت والغرق قد يكون جريئاً بعض الشيء، ولكن ربما كانت تيتانيك 2 هي أنموذج جديد يصنع معه تاريخاً لولادة تيتانيك أخرى شعارها السلامة والرفاهية الكاملة هذه المرة.
أصبح اتخاذ قرار كهذا متاحًا أمام الجميع اليوم، بعد أن شرع رجل الأعمال الأسترالي “كلايف بالمر” بعملية تمويل ضخمة لبناء سفينة جديدة تحمل اسم تايتانيك 2 تماثل في تصميمها شكل السفينة الأصلية تماماً، تم الإعلان عن مشروعها عام 2012، بهدف إحياء ذكرى جميع الركاب الذين كانوا على متنها منذ حادثة الغرق التي حصلت عام1912، كما سيتم تزويد الركاب بملابس تعود لتلك الفترة وذلك رغبة بالعيش في تفاصيل التجربة بشكل كامل.
وذكرت وول ستريت جورنال أن السفينة الجديدة ستبحر من مدينة ساوثهامبتون في المملكة المتحدة إلى مدينة نيويورك، وهو المسار الذي كان مخططاً لتيتانيك الأصلية السير فيه قبل حادثة ارتطامها الشهيرة بالجبل الجليدي، ولكن لا نعلم ما إذا كان مقدرّاً لها السير في مخططها أم أنها ستسير على طريق آخر لم يكن في حسبانها.
هل ستحمل تيتانيك 2 أيضاً لقب “السفينة التي لا تغرق”؟
يتم بناء السفينة المنتظرة في الصين وعبر شركة أسترالية جديدة يمتلكها “بالمر” وتحمل اسم ” بلو ستار لاين يتي” حيث وقعت الأخيرة مذكرة تفاهم مع شركة سي.اس.سي جينلينغ (csc jinling shipyard)، المتخصصة في بناء السفن لصالح الحكومة الصينية، على أن يتم استخدام أساليب تكنولوجية حديثة تعود للقرن الواحد والعشرين، مع الاعتماد على أحدث نظم الملاحة والسلامة.
وكشف رجل الأعمال “بالمر” في حوار لـ صحيفة “التيليغراف” أن تيتانيك 2 ستكون بتسعة طوابق و840 غرفة، وتتسع لـ 2400 راكب وطاقمها مؤلف من 900 فرد، وستكون بتصاميم فاخرة وأقسام متنوعة تضم مسرحاً ومستشفى ونادي للقمار وغيرها من المرافق التي لا تقل أبداً عن شبيهتها الغارقة.
ستكون السفينة القادمة مشبعة بروح السفينة الأصلية، وستصنع بنفس تصميمها وديكوراتها مع وجود بعض التعديلات والإضافات التي تراعي قواعد السلامة واللوائح الجديدة في طرق صنع السفن الحديثة، إلى جانب بعض سبل الراحة الحديثة مثل مكيفات الهواء والإنترنت اللاسلكي.
بهذه الطريقة سيكون الشكل واحد، ولكن طريقة التصنيع تعتمد أساليب أكثر حداثة، فمثلًا جسم السفينة سيتم تركيبه بوساطة اللحام بدلاً من استخدام المسامير، كما أن تشغيلها سيكون عن طريق الديزل والكهرباء بدلاً من الفحم.
وأضاف المستثمر الأسترالي أن السفينة ستحتوي على سطح إضافي مما يجعل الجسر أعلى ويمكن من خلاله رؤية مقدمة السفينة، كما ستحتوي أيضاً على رادار يمكن عن طريقه القيام بأحدث عمليات الملاحة التي تناسب القرن الحادي والعشرين وعن طريق التحكم بالأقمار الصناعية، كما سيتم تزويدها بقوارب إنقاذ آمنة يمكنها أن تبحر في أنحاء العالم.
وذكر بالمر خلال مؤتمر صحفي أن السفينة ستصنع في حوض سي.اس.سي جينلينغ لبناء السفن الخاصة بالحكومة الصينية وكان من المقرر أن تكون الانطلاقة الأولى للسفينة عام 2016 ولكن تم تأجيلها إلى عام 2018على أن تكون الرحلة الأولى من الصين إلى دبي.
كانت تايتانيك 1 أكبر سفينة في العالم في وقتها، وقد صممت كي تكون أسطورية لا تغرق وكثرت حولها الخرافات بعد غرقها، ولكن الحديثة منها أصغر من الكثير من سفن الرحلات في الوقت الحالي، ولا يمكن أن ترقى إلى حد وصفها بالسفينة التي لا تغرق. وحول ذلك يعلق “كلايف بالمر” بالقول إن كل شيء يمكن أن يغرق “إذا حدثت به فجوة”
هذا الحديث لا ينفي جميع الاحتياطات اللازمة التي تعمل الشركة على تجهيز السفينة بها من قوارب إنقاذ بمساحة كافية يمكن لكل منها أن يتسع لحوالي 250 شخصاً على متن السفينة مع سلالم للطوارئ.
حتى الآن يوجد نحو 40 ألف شخص ثلثهم من الصين، ينوون ركوب السفينة الجديدة، وهم على استعداد لدفع مايصل إلى مليون دولار للحصول على مقعد في الرحلة الأولى مع العلم أنه لم يتم تحديد أسعار التذاكر بعد.
مقارنة تيتانيك الأصلية مع شقيقتها القادمة
مئة عام تفصل بين تيتانيك 1و2 ولكن هذا المدة لم تفصل كثيراً بين السفينتين من حيث الأرقام حيث أن السفينة الأصلية تستطيع استيعاب 2223 راكباً ويبلغ طولها 268 متراً وعرضها يصل إلى 53 متراً في حين أن الجديدة تستوعب 2435راكباً وطولها 270 متراً وعرضها 53 متراً.
كما أن عدد قوارب الإنقاد على متن الأصلية بلغ 1178 وعلى الجديدة سيكون 2700، أما عدد الطوابق والغرف فهو متساوٍ في كليهما بعدد تسعة طوابق و840 غرفة، والسرعة تصل إلى 24 عقدة بحرية لكلا السفينتين.
وسيكون للسفينة الجديدة مقصورات من الدرجات الأولى والثانية والثالثة ودرج كبير مشهور، وغرفة للتدخين مثل السفينة الأصلية تماماً وستتم إعادة بناء مقهى باريزيان وغرفة ماركوني تقريبا بنفس التفاصيل الدقيقة التي كانت موجودة في السابق.
تصميم أسطوري انتهى بالغرق!
تميزت السفينة الأصلية تيتانيك ببنائها وتصميمها الفريد على يد ويليام بيري وشركته العملاقة هارلاند اند وولف في بلفاست في إيرلندا الشمالية، وكانت تعتبر في وقتها أسطورية لا تغرق، مع وجود قعر مزدوج مقسم إلى 16 غرفة معزولة عن بعضها عزلاً تاما، ً أربعةً منها يمكن أن تمتلئ بالماء من غير أن تؤثر على قدرة الطفو لدى السفينة، كما أن محركاتها الترددية كانت ضخمة بشكل كبير، وكانت بارتفاع يصل إلى 12 متراً ومزودة باسطوانات قطرها 2.7 متراً
ولكن ذلك لم يمنع القدر من تسطير أكبر حادث غرق مروع في العالم، بدأت تفاصيله ليلة اليوم الرابع عشر من أبريل عام 1912 إلى صباح اليوم التالي ، ذهب ضحيته أكثر من 1500 شخص من أصل 2224 راكباً كانت تقلهم السفينة على متنها من بينهم امبراطور العقارات جون جاكوب أستور الرابع، حفيد جون جاكوب أستور، ومؤسس فندق والدورف أستوريا، والمليونير بنجامين غوغنهايم، وأيضاً إزيدور شتراوس، الألماني المولد المالك المشارك لسلسلة متاجر مايسيز، وغيرهم من الأسماء البارزة في عالم الشهرة والغنى وذلك تحت قيادة الكابتن إدوارد سميث وأفراد طاقمه.
إلّا أن السرعة الكبيرة التي كانت تسير عليها السفينة في اتجاه معين في مياه شمال المحيط الأطلسي، جعلها ترتطم بجبل جليدي لم يكن في الحسبان، الأمر الذي تسبب بفتح خمس غرف من أصل الست عشرة الأخرى، مما تسبب في غرق الأسطورة في عرض المحيط.
يذكر أن حكاية غرق السفينة بقيت قصة إلهام وإبداع استمد منها الفنانون والأدباء والعلماء حتى الوقت الحاضر قصصاً تم تجسيدها بطرق مختلفة، حيث تم إنتاج فيلم سينمائي يجسد المأساة وذلك عام 1997ويحمل الفيلم اسم تيتانيك والذي حقق شعبية وشهرة كبيرتين في الأوساط العالمية، وهو من بطولة ليوناردو دي كابريو وكيت وينسليت ومن إخراج جيمس كاميرون.
كما تم تنظيم رحلات استكشاف لحطام السفينة الغارق في قعر المحيط الأطلسي وتم تسجيل أول رحلة تنقيب لها في الأول من شهر سبتمبر من عام 1985 م وذلك بعد 73 سنة من غرق السفينة، على يد بعثة استكشاف فرنسية-أمريكية، وجدت أن السفينة انقسمت لنصفين بعد فترة وجيزة من غرقها وذلك قبل أن تصل إلى قاع المحيط.