أعلنت شركة إكسون موبيل المحدودة للنفط والغاز عن اكتشافها مجموعة من احتياطيات النفط الضخمة في غويانا، بعد عامين من عمليات التنقيب في الجمهورية الكاريبية الفقيرة. وتحدثت إكسون وهيس وهي الجهة التي تقف وراء نشاطات استكشاف النفط عن وجود مخزونات تبلغ 5 مليارات برميل من النفط المكافئ.
ودخلت غويانا التي تقع على الساحل الشمالي لأميركا الجنوبية، إلى نادي الدول النفطية الغنية في العالم، بعد ان وصلت معدلات الفقر والبطالة في البلاد لمستويات متقدمة، مع عجز الحكومات المتعاقبة على تطوير الاقتصاد، واعتمادها على موارد محدودة منها زراعة قصب السكر والأرز.
إلا أن الهدية الأغلى بالنسبة للبلاد كانت حين أعُلن عن ظهور أول اكتشاف للنفط عام 2015، ثم توالت الاخبار الإيجابية عن اكتشاف المزيد من الحقول النفطية ذات الإمكانيات الضخمة، ليبلغ اجمالي عدد تلك المكامن النفطية حتى اليوم 12 موقعًا.
وعملت إكسون وهيس بالإضافة لمجموعة من الشركات الأخرى، بشكل منتظم ومستمر خلال السنوات الماضية، على سبر واستكشاف أراضي غويانا، حيث تعتبر البلد الوحيد من دول تجمع الكومنولث الكاريبية التي تقع على البر للقارة الامريكية الجنوبية.
ويقدر عدد سكان البلاد بحوالي مليون شخص فقط يتكلمون اللغة الإنكليزية، بسبب بقاء غويانا مستعمرة هولندية ثم بريطانية لأكثر من 200 عام، قبل ان يعلن عن الاستقلال وتأسيس جمهورية غويانا التعاونية في 23 شباط من عام 1970، وتتحول مدينة جورج تاون لعاصمة البلاد.
كيف سيكون أثر احتياطات النفط الكبيرة على غويانا؟
من الممكن أن يشكل توافر هذا الكم الهائل من البراميل النفطية وعائداتها المتوقعة، حلًا لجميع المشاكل الاقتصادية التي تعاني منها تلك الدولة الصغيرة، إلا أن التفاؤل يجب ان يكون حذرًا فكثير من المرات اثبت لنا الواقع خطورة الثروة، تمامًا كحال توفرها بكثرة.
وقد يكون لهذا الاكتشاف الكبير آثار غير مرغوب فيها، بل قد تتحول بحور النفط التي تطفو عليها البلاد إلى نقمة ودمار اقتصادي، وهو ما يعرف حول العالم بلعنة النفط، فيكفي أن ينظر المرء على الجار الغربي للبلاد ويرى كيف تعاني كاركاس عاصمة فنزويلا من الاضطرابات السياسية والاجتماعية والانهيار الاقتصادي.
وكانت الأوضاع الاقتصادية المتفاقمة في فنزويلا قد فجرت أزمة سياسية ومعيشية حادة، طالبت فيها المعارضة الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو بالتنحي، في الوقت الذي دعمت فيه روسيا بقائه وارسلت قوات عسكرية لمنع سقوط الحكومة في البلاد التي تعتبر من أكبر منتجي النفط في العالم.
ويتوقع تقرير متخصص في أسواق النفط أن تعزز مليارات الدولارات الناتجة من عائدات النفط، مناخ من عدم الاستقرار السياسي، خاصة مع استعار التنافس بين القوى المختلفة على السيطرة على هذه الثروة. ويستشهد التقرير بظهور حالة من عدم الاستقرار السياسي التي تجلت في غويانا مؤخرًا، عندما جرى في كانون الأول / ديسمبر الماضي تصويت على حجب الثقة عن الائتلاف الحاكم في البلاد.
في الجهة المقابلة، رفضت الحكومة نتائج الاستفتاء وتوجهت نحو المحكمة الدستورية للطعن فيه، عوضًا عن الدعوة لإجراء انتخابات جديدة كما كان يجري في كل مرة.
وعلى الرغم من اتجاه الائتلاف الحاكم إلى المحكمة الدستورية العليا، ورفضه الدعوة للانتخابات الجديدة، إلا المظاهرات بدأت تندلع في عموم البلاد ما زاد في مناخ التوتر السياسي.
ويخلص التقرير إلى توصيات بالتركيز على مشاركة الفوائد الاقتصادية التي بدأت شركة إكسون وهيس بجني ثمارها من عمليات الإنتاج، وكذلك تحسين الظروف المعيشية للسكان والحد من البطالة، وتعزيز النمو الاقتصادي، مع المطالبة بإهمال النزعات المحلية بين القوى الوطنية، ثم وضع حد للطموحات السياسية التي قد تصيب البلاد بمقتل، كما فعلت في كثير من دول العالم.
ما بين النرويج وفنزويلا
يظهر مثال النرويج وفنزويلا تمامًا على طرفي نقيض في طريقة التعامل مع الثروات الهيدروكربونية، حيث استطاعت النرويج بناء دولة ذات اقتصاد راسخ، وقدمت مثالًا مهمًا عن كيفية استخدام الدولة لأموالها الناتجة عن عوائد النفط بطريقة فعالة، خاصة عندما تجنبت النرويج الاعتماد بشكل مفرط على إيرادات النفط، وعوضًا عن ذلك قامت باستثمار أمواله بطريقة ذكية للغاية في مجالات متعددة.
على النقيض من ذلك، كانت فنزويلا في مقدمة الدول التي سلكت نهج اقتصادي مدمر ساهم في الوصول إلى ماهي عليه اليوم. اعتمدت الحكومات الاشتراكية المتعاقبة في كاراكاس على أموال وعائدات النفط فقط، دون تنشيط لأي مشاريع أو قطاعات اقتصادية أخرى، ما جعل البلاد في اعتماد شبه كامل على أسعار النفط.
فمثلًا وصلت تغطية عوائد النفط للميزانية الرسمية في فنزويلا خلال الأعوام الأخيرة من القرن الماضي ما نسبته 43 بالمائة، واستمرت في ذلك مع دخول الألفية الجديدة.
حينها، كانت الأمور في غاية الروعة مع ارتفاع مستمر لأسعار النفط، إلا أن انهيار سعر البرميل إلى ما دون 40 دولار جعل الحكومة عاجزة عن دفع ما يقارب من نصف التزاماتها، ما تسبب في انهيار الاقتصاد وارتفاع نسب التضخم وأسعار المستهلكين.
النفط ليس سلعة نادرة
مع تطور العلوم وتنفيذ عمليات بحث واستكشاف كبيرة، أصبح العالم اليوم يعج بالذهب الأسود، فمثلًا تحدثت التقارير الصحفية المتخصصة في صناعة النفط عن تحول الولايات المتحدة الأمريكية من بلد مستورد للنفط إلى بلد مصدر له قد يفوق انتاجه المملكة العربية السعودية وروسيا، بحسب رويترز
وتحدث المختصون عن وجود وفرة من الغاز والنفط في مناطق عديدة حول العالم، حيث أظهرت الدراسات أن ولاية تكساس الأميركية مليئة بالنفط والغاز الصخري حتى ان البنية التحتية الحالية المحدودة للولاية، تجعل من الضرورة إحراق الغاز أو طرحه في الهواء لعدم القدرة على الاستفادة منه.
لذا تحاول تكساس خفض انتاجها إلى حين إيجاد طريقة فعالة للاستفادة من الوفرة الكبيرة، خاصة انه من المستحيل تصدير الكميات المستخرجة. وبحسب وكالة الطاقة الأميركية، فقد ارتفع الإنتاج الأمريكي إلى 10.4 مليون برميل يوميا في عام 2018، ويتوقع ان يصل إلى 11.5 برميل في عام 2019.
وتبرز كلًأ من الهند ومصر والنيجر وتشيلي وإندونيسيا وميانمار والمكسيك وغويانا في مقدمة الدول التي اكتشفت حقول مهمة للثروات الهيدروكربونية، في الوقت الذي أعلنت شركة توتال في 24 أيلول أنها اكتشفت وجودا للغاز غرب جزر شيتلاند في المملكة المتحدة.
خلاصة القول تكمن في إمكانية استفادة غويانا من عوائد النفط لتطبيق خطط التنمية المستدامة ولكن ذلك يحتاج إلى استراتيجية واضحة واستقرار سياسي راسخ، يمنع تحول الثروة الجديدة إلى كابوس ويبعد سيناريو لعنة النفط.