تشهد العلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران في الآونة الأخيرة توتراً بعد أن أعاد الرئيس الأمريكي دونالد ترمب فرض عقوبات شاملة على إيران بعد انسحابها من الاتفاق النووي المبرم معها عام 2015، وتستهدف العقوبات الأمريكية مشتريات إيران في قطاع السيارات والنقل بالإضافة إلى نشاطاتها التجارية ومشترياتها من الذهب والمعادن الأساسية الأخرى، وقد تسببت هذه العقوبات بمواجهة إيران لمصاعب اقتصادية باتت تمر بها البلاد في ظل أوضاع أمنية غير مستقرة.
ويعتقد ترمب أن الضغط الاقتصادي الذي يمارسه على إيران سيجبرها على الموافقة على عقد صفقة جديدة وعلى وقف نشاطاتها التي وصفها بالخبيثة، ومحذرا الأفراد أو الكيانات التي تنتهك هذه العقوبات من عواقب وخيمة.
أما من الجانب الإيراني فقد وصف الرئيس الإيراني حسن روحاني الإجراءات الأمريكية بأنها حرب نفسية، وقالت إيران إنها ستواصل التزامها بالاتفاق إذا استمرت بتلقي فوائد اقتصادية.
إلا أن ظن إيران بأن الاتفاق النووي سيمد طهران بطوق نجاة من خلال جلب مستثمرين أجانب لم يتحقق بسبب ما أعلنه البيت الأبيض مؤخرا من حزمة من القيود غير المسبوقة لكبح دور الملالي المزعزع للاستقرار في الشرق الأوسط مما أدى إلى استمرار معاناة إيران من مصاعب اقتصادية.
لماذا انسحبت الولايات المتحدة الأمريكية من الاتفاق النووي الإيراني؟
يعود انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني إلى قرارٍ أعلنه الرئيس الأمركي دونالد ترمب مفاجئاً فيه الأوساط الدولية، والذي هدف من خلاله إلى حرمان إيران من امتلاك أسلحة نووية، وخاصة أن الاتفاق النووي قد سمح لإيران بالاستمرار في تخصيب اليورانيوم ومنحها ملايين الدولارات ، قد تستخدمها في دعم منظومة الإرهاب، وفي حال سماح الولايات المتحدة باستمرار هذا الاتفاق الذي يعود إلى عام 2015 ، فإن هناك سباق لتسلح نووي سيحدث قريباً في الشرق الأوسط، وعلى الجانب الإيراني فقد صرح روحاني بأن انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي غير قانوني وغير مشروع ويقوّض الاتفاقات الدولية، مضيفاً أن إيران لن تنسحب من الاتفاق لوجود أطراف أخرى فيه لاتزال مع الاتفاق وتستنكر الانسحاب الأمريكي منه. كما أكدت إيران استعدادها لاستئناف أنشطتها النووية وذلك بعد إجراء محادثات مع الأعضاء الأوربيين الموقعين على الاتفاق.
فرض العقوبات على إيران والشركات المتضررة
يحمل قرار فرض عقوبات اقتصادية على إيران تبعات اقتصادية وخاصةً بالنسبة للشركات الأوربية الموجودة في السوق الإيرانية أو الأخرى التي ترغب بدخولها، حيث شمل قرار ترمب الأخير محاسبة جميع الشركات وحتى الأوربية منها بسبب خرق العقوبات ومواصلة تعاملها مع إيران، برغم إمهالهم نحو 90 يوماً للانسحاب من السوق الإيرانية.
ولعل أهم ما تخشاه أوربا هو مصير شركاتها العملاقة مثل إيرباص وتوتال وبيجو وفولكسفاغن وغيرها من الشركات التي دخلت إيران بعد توقيع الاتفاق النووي عام 2015، حيث ستضطر الشركات إلى الخروج وخسارة عقود تجارية تبلغ مليارات الدولارات.
توتال العملاقة والعقوبات على إيران
تعد شركة النفط الفرنسية توتال واحدة من الشركات العملاقة التي تخشى على نفسها من العقوبات على إيران حيث كانت تأمل بالحفاظ على صفقة بقيمة 8.4 مليار يورو مع إيران لتطوير حقل للغاز البحري، وأكد الرئيس التنفيذي للشركة باتريك بويانيه في حديث سابق أن توتال تسعى للحصول على تنازل يسمح لها بمواصلة العمل في إيران في حال إعادة الولايات المتحدة لفرض عقوباتها على إيران.
ومن الشركات العملاقة الأخرى نذكر ما أعلنته مجموعة ميرسك تانكرز الدانيماركية لناقلات النفط عن وقف نشاطها في إيران، حيث لم تذكر أرقاماً محددة عن نشاطها واكتفت بالقول إنها تقوم بتصدير واستيراد منتجات نفطية بشكل جديد لحساب زبائنها مضيفة متابعتها عن كثب لتقييم الآثار المحتملة على نشاطاتها مع البقاء على اتصال مع زبائنها لإبلاغهم بالتطورات المحتملة.
النقل البحري في إيران
تحظى التجارة البحرية باهتمام كبير من قبل الحكومة الإيرانية حيث تعتمد على البحر في وارداتها وصادراتها السلعية، وبسبب العقوبات الأمريكية فإن هذا القطاع سيتأثر أيضاً وذلك لأن واشنطن ستعيد وضع مشغلي الموانئ وقطاعات الشحن البحري في الرابع من تشرين الثاني نوفمبر المقبل ضمن القائمة السوداء، كما ستعيد فرض عقوبات على تقديم خدمات التأمين وإعادة التأمين التي شكلت تحدياً لإيران قبل تطبيق الاتفاق النووي.
الرد الإيراني على العقوبات
أما على الصعيد الإيراني فإن الرئيس حسن روحاني الذي فاز بولاية رئاسية ثانية قد أكد رداً على القرارات الأمريكية بأن بلاده مستعدة بشكل جيد لمواجهة إعادة فرض العقوبات عليها وأن الشعب الإيراني قوي، وهو ما تنفيه أحوال الأوساط الميدانية التي مازالت تعاني من العقوبات السابقة من قلق حول ارتفاع الأسعار وتهاوي الاقتصاد وارتفاع نسبة البطالة ونقص المواد الأساسية وفي مقدمتها الأدوية ، فضلاً عن معاناتها من ارتفاع الحرارة وانقطاع الكهرباء ونقص المياه، الأمر الذي أدى إلى اندلاع احتجاجات في غربي البلاد، ويبدو أن تصريح الرئيس الإيراني بقوة الشعب الإيراني غير مضمون العواقب خاصةً وأن العقوبات تشمل منع إيران من شراء الدولار والذهب والمعادن والسيارات، بالإضافة إلى فقد الريال الإيراني لـ 70% من قيمته منذ أيار مايو الفائت.
تجدر الإشارة إلى أنه من المرجح أن يكون الرئيس الأمريكي دونالد ترمب راغب بتوقف الشركات الأوربية عن تعاملها مع إيران، وبالتالي فإن ذلك سيترك إيران بمحفزات ضئيلة للبقاء في الصفقة النووية، وذلك لأن الدول الأوربية لن تكون قادرة على التمسك بالتزاماتها في الاتفاق، مهما كان لديها رغبة في ذلك.
إلا أنه من المتوقع ألا يؤدي تطبيق العقوبات إلى وضح حد لمشكلة الانتشار النووي الإيراني، بسبب غياب الحوافز التجارية عن إيران مما يزيد احتمال عودتها إلى تخصيب اليورانيوم بشكل واسع النطاق.