شهد تاريخ 5 يونيو بداية الأزمة الخليجية بين قطر والدول الخليجية بقيادة السعودية والإمارات بعد اتهامات وجهتها الدول إلى قطر بدعم الإرهاب والتحالف مع إيران، وتلا ذلك إعلان الدول العديد من إجراءات المقاطعة الاقتصادية والسياسية والدبلوماسية مع قطر.
الإجراء الأهم بعد ذلك كان تقديم دول الخليج المقاطعة قائمة من 13 مطلباً عبر الوسيط الكويتي إلى قطر تضمنت التوقف عن دعم المنظمات الإرهابية وإغلاق قناة الجزيرة التي تعتبر من أكبر الشبكات التلفزيونية في المنطقة والعالم.
الرد في قطر على كل تلك المطالب خصوصاً التي تستهدف الاقتصاد القطري جاء على لسان وزير المالية والاقتصاد علي شريف العمادي، الذي قلل من أهمية العقوبات الاقتصادية الخليجية على وضع الاقتصاد والاستثمار في قطر.
العمادي قال إن قطر تمتلك صناديق مالية سيادية تساوي 250% من الناتج المحلي الإجمالي إضافة إلى احتياطي البنك المركزي القطري عدا عن وزارة للاحتياطي الاستراتيجي، معبراً عن قوة الاقتصاد القطري رغم الحصار من قبل دول الخليج.
تصريحات وزير المالية القطري جاءت بعد تصريحات من دول الحصار وخصوصاً السعودية حول زيادة العقوبات على قطر لدفعها للرضوخ للمطالب المقدمة من قبل تلك الدول، وهو ما أكدت قطر سابقاً أنها لن تستجيب له، حيث قالت إن قائمة المطالب 13 أعدت ليتم رفضها خصوصاً أنها مخالفة للقوانين والأعراف الدولية بحسب قطر.
هل يستطيع الاقتصاد القطري الصمود فعلاً أمام العقوبات؟
منذ بداية الأزمة الخليجية وفرض العديد من العقوبات التي تستهدف الاستثمار والاقتصاد القطري، قامت وكالة Moody’s العالمية للتصنيفات الائتمانية بتخفيض توقعاتها بالنسبة للاقتصاد القطري، خصوصاً بعد قرارات منع النقل البحري والبري من وإلى قطر وتأثيره الكبير على النقل والاستثمار في البلد.
لكن قطر في نفس الوقت حافظت على ترتيبها الائتماني من درجة AA3 في وكالة Moody’s التي أخذت بالاعتبار وضع الأصول الصافية التي تحوز عليها الحكومة في قطر، وحجم الثروة التي تملكها.
الصناديق المالية السيادية التي يملكها الاقتصاد القطري والتي تساوي 250% من الناتج المحلي الإجمالي تبلغ 167 مليار دولار سنوياً، إضافة إلى العديد من الاحتياطيات الأخرى التي تساوي ككل ثلاثة أضعاف الدخل القومي في قطر، كما أن الاقتصاد القطري هو الأسرع نمواً في الشرق الأوسط، وبفرق 40% عن أقرب اقتصاد خليجي.
من جانب آخر فإن قيام قطر بتقسيم الاقتصاد والاستثمار في الخدمات يشكل نقطة قوة كبيرة لديها، خصوصاً أنها تمتلك الاستثمار الأكبر في سوق لندن عبر شركات ومؤسسات كبرى مثل The Shard وCanary Wharf إضافة إلى Harrods والقرية الأولمبية.
بالمقارنة مع اقتصادات الدول المطبقة للحصار فإن الاقتصاد القطري والاستثمار ليسا في وضع سيء بحسب وزير المالية القطري، الذي قال أن “البحرين ومصر في مستوى السندات عالية المخاطر” والتي تسمى اصطلاحاً سندات الخردة أو Junk Bonds، كما أضاف أن السعودية تواجه مشاكل اقتصادية جدية بدورها.
لكن العديد من الخبراء الاقتصاديين قالوا أن قطر تمر بمشاكل في الاقتصاد والاستثمار لا يمكن تجاهلها، فمنذ أسابيع شهدت الأسواق العالمية نقصاً في العملة القطرية الريال، حيث تبين أن التعامل بها تم إيقافه في شركة تبادل العملات الأجنبية Travelex والتي تملكها الإمارات.
لكن وزير المالية القطري قال إنه في حال أجبرت العديد من الشركات على الاختيار بين الاستثمار في قطر أو الإمارات، فأنها ستختار قطر لكونها لا تقوم بالخلط بين السياسة والعمل في الاستثمار والاقتصاد.
الأزمة قد تشهد تصاعداً
الولايات المتحدة الأمريكية عبرت بدورها عن مخاوفها من تصاعد الأزمة الخليجية بين دول الحصار وقطر، دون ان توضح إلى أي مدى أو بأي طريقة قد تشهد الأزمة الخليجية تصعيداً في الفترة القادمة.
دول الحصار سبق وهددت بالتصويت على إلغاء عضوية قطر في مجلس التعاون الخليجي، لكنها حتى الآن لم تلجأ إلى تلك الخطوة التي يعتبر الكثيرون أنها خطوة خطيرة ما زالت السعودية والإمارات حذرتين جداً بشأن اتخاذها.
العديد من المسؤولين الرسميين في الإمارات اقترحوا فرض خيار على الشركاء التجاريين والماليين عبر التعامل والاستثمار إما مع الإمارات أو مع قطر، وهو ما قد يشكل خياراً صعباً جداً للعديد من الشركاء مثل بريطانيا التي تعتمد بشكل كبير على الغاز القطري، والاحتمالية الكبيرة لخسارة الدعم والاستثمار الغربي يجعل تلك الخطوة غير محتملة.
إلى حد الآن لا يوجد أفق واضح للأزمة الخليجية مع قطر، خصوصاً مع عدم وجود رؤية مكتملة إلى أي حد تستطيع دول الخليج الضغط على قطر خصوصاً على الاقتصاد القطري، الذي بالتأكيد يتأثر بالعقوبات لكنه لن يصل إلى حدود الضرر الكبير مع المعطيات الحالية والاحتياطيات التي يملكها.